
دلالات النص الموازي في رواية (موت الأم)
بقلم... عباس عجاج
يتمثّل النص الموازي بالملحقات النصية والعتبات التي نطّلع عليها قبل دخول الفضاء الداخلي, كالعناوين الرئيسية و الفرعية، والتمهيد، والهوامش ، والرسوم، وعبارات الإهداء والتنويه والشكر... الخ, ويرى الناقد المغاربي/ جميل حمداوي, بأن النص الموازي ينقسم إلى قسمين:
1- النـص المــوازي الداخــلي:
وهو كل نص مواز يحيط بالنص أو المتن, أو النص الموازي الداخلي أو المصاحب أو المجاور, وهو عبارة عن ملحقات نصية، وعتبات تتصل بالنص مباشرة, ويشمل كل ما ورد أعلاه حسب تحليل (جنيت) في الأحد عشر فصلا الأولى من كتابه "عتبات".
2- النص المــوازي الخارجي:
أي الرديف أو النص العمومي المصاحب. "وهو كل نص من غير النوع الأول مما يكون بينه وبين الكتاب بعد فضائي أو زماني، ويحمل صبغة اعلامية مثل المذكرات، والشهادات، والإعلانات...الخ, أي ما لا يتصل مباشرة بالكتاب.
و لكي نخوض في حيثيات رواية الأديب/ حنون مجيد, الموسومة (موت الأم), والتي صدرت حديثاً عن دار أمل الجديدة، و جاءت في (263) صفحة من القطع المتوسط، وضمت الرواية (21) فصلاً،. فعلينا الانطلاق من الواجهة الأولى للكتاب, حيث الغلاف الذي حمل رسما قاتما لطفلة تسدّ أذنيها بكلتا يديها, فأي ضجيج يكتنف الأحداث لتهرب تلك البراءة من صداه المزعج؟.
(موت الأم) مخطوطا باللون الأحمر, وبالخط الفارسي, محاطا بظل أصفر, فاللون الأحمر يحمل عدة دلالات, فكما يشير علم النفس فهو دلالة على حب المظاهر، و الرغبة في إظهار القوّة، و يدل أيضا على الحب والإثارة, وهو لون يُعبّر عن العاطفة والرغبة بشكلٍ كبير، ويبعث المشاعر الجيّاشة, و اللون الأصفر يرمز للغش والمرض والخديعة والمكر، وفي هذا قال الرسام "بابلو بيكاسو: "إن الألوان كما الصفات تُحدث تغيرات مهمة على العواطف”، أي أنّها تترك تأثيرًا عميقًا في نفس الإنسان، فهل حملت الألوان تلك الايحاءات الفنية إلى مقاربتها السردية؟
نبقى في رحاب العنوان, موت: خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره هو, الأم: مضاف إليه مجرور, عنوان يتكون من مفردتين, بسيط في بنيته, مباشر في دلالته, لا يتماشى وعنوانات روايات الحداثة التي تجنح إلى المجازية والرمزية والمراوغة، وتنفتح على الإشارات والأبعاد الثقافية المتعددة، واحتمالات التفسير والتأويل، أي غاب عنه الرمز الاستعاري المكثف لدلالات النص الذي يتيح للقارئ الاهتداء إلى دلالة العنوان بعد أن يقطع شوطا في قراءة الرواية أو يتممها فيقف على الأسرار المختبئة في زوايا السرد, وعندئذ يقارن بين انطباعه الأولي والمعنى الروائي الذي استحصد في نهاية المطاف، بعد الوقوف على البنية العميقة للرواية.
حملت الصفحة الخامسة اهداء صغير الحجم, كبير الفحوى: "إلى ليلى..... إلى روح ليلى", سأتجاوز النقاط الخمس, والتي كان ينبغي أن تكون ثلاث لا تزيد ولا تقل, و ندخل في عمق الإهداء, فهنا الروائي يهدي بطلة روايته, أي يوطد العلاقة بين الكاتب و شخوص النص, و هي اشارة – حسب رؤيتي الخاصة- إلى أثر عميق يرتبط بشكل ما بين الكاتب وما تحمله شخصية (ليلى), ربما الاسم, ربما الحدث, وربما تجربة شخصية بشكل أو بآخر خاضها الكاتب في فترات حياته و يجسدها في شخصية روايته, فعمق الدلالة في الإهداء لم يقف عند (ليلى), بل امتد إلى روحها في مثواها الأخير.
الشاعرة الإيرانية (فروغ فرخزاد), تصدر مطلع قصيدتها الموسومة (آيات أرضية) طريق الولوج لعتبة النص, فهل حملت الرواية ملامح من حياة الشاعرة المليئة بالأحداث؟, علاقاتها الغرامية؟, الشكوك التي تراود ابنها, و جفاؤه لها؟ انحيازها لأنوثتها و كشفها لعوالم أغوار المرأة؟... لعل جوانب من حياتها ترجمها أديب ماهر يحيك خيوط الرواية بمهارة فائقة.
الرواية التي وردت في (21) فصلاً, غاب عنها العنوان الثانوي, و جاءت الفصول مرقمة, تناوب أبطالها بسرد احداثياتها التي أتقن الكاتب مهارة الاستدراك في بنيتها الحكائية, فقدم فصولا و ألحق أخر, وتلك مهارة لا يتقنها إلا القلة من النخبة, و كذلك تتجلى مهارة التنوع في صياغة النمط الكتابي واضحة في حبكة النص, فتارة يتيح للقارئ فسحة البحث و الاستكشاف, و تارة أخرى يقيده في السرد المباشر, أو يجعله تحت طائلة نتائج الحوار, مستحضرا خبرته الطويلة في فن القصة القصيرة جدا بما حملت من خصائص الاقتضاب والايجاز و الجمل القصيرة, التي تقفز بالمتلقي للانتقال من فصل إلى آخر دون ملل.
وخلافا للوحة القاتمة التي حملها غلاف الرواية, نقلب الصفحة الأخيرة من ظهر الغلاف, تحمل مقتبسا هادئا من أحداثها, يسدل ستار الضجيج, عابرا للضفة الأخرى باستعادة ذكرياتها, تعلوها صورة شخصية لمؤلفها.
وبعد أن سلطنا الضوء على جزء مهم من النص الموازي الداخلي, ينبغي لنا الاشارة إلى نصها الخارجي, فقد تناولها العديد من الأدباء في القراءة و طرح انطباعاتهم النقدية حولها, فنذكر على سبيل المثال, لا الحصر:
حمدي العطار- جريدة رأي اليوم- بعنوان الروائي حنون مجيد يقدم لعبة سردية في رواية “موت الأم”
ناطق خلوصي: الناقد العراقي- (ملف/11)
عبد الرضا صالح محمد- جريدة المثقف- اشكالية التراجيديا ومدلولات المجتمع في السرد
عبد الحسن علي الغرابي- جريدة الزمان- اليقظة بفضل تيار الوعي, و غيرهم.
هاشتاغ:
أدب وفنون