القصة العربية القصيرة و صراع البقاء بقلم... عباس عجاج

القصة العربية القصيرة و صراع البقاء  بقلم... عباس عجاج - وكالة خبر الاعلامية

شأنها شأن فنون السرد الأخرى, و جدت القصة القصيرة نفسها تسير بخطى ثابتة نحو التأصيل, لتتناغم مع متطلبات العصر, و حاجة القارئ, و تفرض نفسها إلى جانب الرواية كأحد وسائل التعبير عما يدور في الذات الإنسانية, و ترجمة ذلك إلى سبك حكائي يلبي حاجة القارئ لإشباع رغباته للنظر إلى لقطات خاطفة عن الوضع الإنساني والطبيعة البشرية, و محاكاة الواقع, و رسم تخيلاته الغرائبية و العجائبية.

"حكاية يمكن قراءتها في جلسة واحدة", هكذا يصفها (آلان بو) ببساطة ليضع لها حدا للتمييز بينها و بين الرواية, فهي ذلك الفن النثري الأدبي الذي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر، وأخذ طريقه للازدهار في بدايات القرن العشرين.

متأثرا بالأدب الغربي, و جد الكاتب العربي نفسه منبهرا بما يسطره الأدب الروسي من ملاحم خالدة يمتد طويلا إلى أقصى القارة الغربي حيث القصص الفرنسي و الإنجليزي, عبورا للمحيط الذي رافق ثورة هائلة في أعمال الطباعة و النشر في أمريكا, و الإقبال الكبير على نهم القراءة لدى المتلقي, و قد ساهمت الترجمة من جانب و تبادل البعثات, و أدباء المهجر من جانب آخر في التأثر بالاتجاهات الأدبية الغربية كالرومانسية والواقعية.

و مع مطلع القرن العشرين ظهرت بوادر الكتابة القصصية العربية على يد روادها العرب أمثال : العراقي محمود أحمد السيد, و اللبنانيان ميخائيل نعيمة و جبران خليل جبران, و الفلسطيني غسان كنفاني, و المصريان محمد تيمور ويوسف إدريس, و السوري زكريا تامر, المغربي مصطفى الغرباوي... و غيرهم.

و كانت القصة القصيرة في بداياتها أقرب شكلا للرواية القصيرة, قبل أن تتحدد ملامحها الفنية, و قبل أن تحصل على هويتها الأدبية كنص سردي له خصائصه و معاييره الفنية و أشكاله القصصية, و قد ساهم ظهور الصحافة وانتشار الجرائد والمجلات في خلق متغير طرأ على الحقل الثقافي وحركة ثوابته، ولعب دورا أساسيا في نشأة القصة القصيرة.

و إذ تعد فترة السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي هي فترة ازدهار هذا الفن و انتشاره من خلال الاصدارات القصصية, و الإقبال الصحفي على نشر منجزه الإبداعي, مع تطورها من حيث السرد، والحوار، والبداية، والحبكة،... الخ, و قدرتها على التعبير عن الواقع، وقد استخدم كتاب القصة القصيرة في تلك الفترة من القرن العشرين أسلوباً فنياً متقدماً في كتابة وسرد القصة القصيرة، كان بمثابة التأصيل لهذا الفن.

و القصة القصيرة كغيرها من الفنون الأدبية تتأثر بإفرازات العصر, و متطلباته, فنجد بأن الألفية الثالثة قد شهدت بروزا ملحوظا لفن أدبي آخر, ألا و هو فن القصة القصيرة جدا, الذي يحاكي سرعة العصر, و ما تفرضه العوالم الافتراضية، و المتغير الذي طرأ على ذائقية المتلقي في القراءة المختزلة, وتوجه عدد كبير من كتابها لتجربة الفن الجديد و التسابق نحو وضع بصمتهم الكتابية على خارطة فن القصة, و من جانب آخر ايلاء المؤسسات المعنية بالشأن الأدبي مكانة قيمية للرواية على حساب القصة القصيرة, فنلمس اهتماما أكثر في اقامة الأماسي الثقافية المعنية بدراسة الاصدارات الروائية يفوق ما تحظى به مثيلاتها القصصية, ناهيك عن الجوائز المادية الضخمة التي يخصصها المعنيون بالمسابقات للشأن الروائي, دون القصصي.

كما أن توجه العديد من دور النشر للكسب المادي على حساب القيمة النوعية للمنجز أثر سلبا على الأدب بشكل عام, و القصة القصيرة خاصة, إلا أن كل تلك المعوقات و المستجدات لم تغلق الستار أمام ثبات السرد القصير كحاجة ملحة لدى القارئ العربي, و الكتاب الذي بين أيدينا للقاص المصطفى الصغوصي دليل حي على ما لدى الكاتب العربي من امكانية و مهارة تقنية تشير إلى قدرة القاص العربي على خلق نصوص قصصية تحاكي ذوق و حاجة القارئ العربي, و أن الكاتب العربي قادر على رسم خارطته الأدبية دون الحاجة للالتحاف بمعطف غوغول, أو حصر قدميه في حذاء همنغوي.

عباس عجاج- العراق





إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز