أثر النص الموازي في رواية (محطات) للحريزي بقلم.. عباس عجاج

أثر النص الموازي في رواية (محطات) للحريزي  بقلم.. عباس عجاج - وكالة خبر الاعلامية

  من اصدارات دار الفؤاد للنشر والتوزيع لعام 2018, صدرت ثلاثية محطات ( العربانة – كفاح - البياض الدامي) للروائي النجفي حميد الحرزي, في ثلاث كتب منفردة.
   بدءا أقتبس من مقالة نشرها د. جميل حمداوي على مجلة (ندوة الالكترونية)(1)حول ماهية النص الموازي, إذ يقول: " ويعرف جنيت النص الموازي في كتابه (الأطراس (Palimpsestes بأنه نمط ثان من التعالي النصي, "ويتكون من علاقة هي عموما أقل وضوحا وأكثر اتساعا, ويقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي، مع ما يمكن أن نسميه بالنص الـموازي، أو الملحـقات النصية Les Paratextes، كالعنوان، والعنوان الفردي، والعناوين الداخلية، والمقدمات، والملحقات، والتنبيهات، والتمهيد، والهوامش في أسفل الصفحة أو في النهاية، والمقتبسات والتزيينات، والرسوم، وعبارات الإهداء والتنويه والشكر، والشريط، والقميص، وأنواع أخرى من العلامات الثانوية والإشارات الكتابية أو غيرها مما توفر للنص وسطا متنوعا, وقد يكون في بعض الأحيان شرحا أو تعليقا رسميا أو شبه رسمي"(2).
 وفي كتابه (عتباتseuils )، يضيف جنيت أن النص الموازي هو الذي " يجعل النص كتابا ليقدم إلى القراء بصفة خاصة، والجمهور بصفة عامة."(3) أي أنه عبارة عن ملحقات نصية وعتبات نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة بالنسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل: "أخبار الدار على باب الدار", أو كما قال جنيت نفسه في شكل حكمة: "احذروا العتبات".(4) وللنص الموازي وظيفتان وظيفة جمالية تتمثل في تزيين الكتاب وتنميقه، ووظيفة تداولية تكمن في استقطاب القارئ واستغوائه.
   ويضيف (حمداوي): "...ويمكن تقسيم النص الموازي إلى قسمين:
النـص المــوازي الداخــلي (Péritexte):
 وهو كل نص مواز يحيط بالنص أو المتن, أو النص الموازي الداخلي أو المصاحب أو المجاور, وهو عبارة عن ملحقات نصية، وعتبات تتصل بالنص مباشرة, ويشمل كل ما ورد محيطا بالكتاب من الغلاف، والمؤلف، والعنوان، والإهداء، والمقتبسات، والمقدمات، والهوامش، وغير ذلك مما حلله جنيت في الأحد عشر فصلا الأولى من كتابه "عتبات" (5).
النص المــوازي الخارجي (Epitexte):
 أي الرديف أو النص العمومي المصاحب. "وهو كل نص من غير النوع الأول مما يكون بينه وبين الكتاب بعد فضائي وفي أحيان كثيرة زماني أيضا، ويحمل صبغة إعلامية مثل الاستجوابات والمذكرات، والشهادات، والإعلانات...الخ
إذن هو كل نص مواز لا يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن نفس الكتاب، ولكن ينتشر في فضاء فيزيائي واجتماعي غير محدد بالقوة، وبذلك يكون موضع (النص العمومي المصاحب) في أي مكان خارج الكتاب كأن يكون منشورا بالجرائد والمجلات وبرامج إذاعية، ولقاءات وندوات... إلخ.
   و لكي يمكننا فهم هذا النص الروائي, أو تفسيره فعلينا المرور عبر العتبات المحيطة ومساءلة ملحقاته النصية والخارجية.
   ولنبدأ من القسم الثاني (النص الموازي الخارجي), فقد كتب عنها شكر حاجم الصالحي,(6) واصفا اياها بالمدونة التوثيقية, مشيرا إلى أن الروائي قد أدغم فيها شيئا من صفاته و خصاله, كما أن (الصالحي) كتب قراءته حول الجزء الأول منها (العربانة) –فقط-, إذ يرى أنها محتشدة بالكثير من التفاصيل التي أثقلت المتن وكان بإمكان (الحريزي) تقليص مساحات امتدادها بما يجعلها قادرة على طرح الأسئلة وليس الاتكاء على ما هو متيسر من حلول وإجابات, و كان عليه أن يشرك القارئ في استنباط واقتراح ما يغني ويثرى ( العربانة ) التي كان لها دور مركزي في صياغة أحداثها وبلورة مفاهيمها الناضجة.
   بينما أصدر الباحث عبدالله الميالي كتابه (الموروث الشعبي العراقي في ثلاثية “محطات” للروائي حميد الحريزي) بعدد صفحات (150) صفحة من الحجم المتوسط،(7), وقد هدفت هذه الدراسة لتبيين الموروث الشعبي العراقي الواسع الذي زخرت به ثُلاثية (محطات), والذي يجد أن هذا التوظيف جاء بمثابة تأثير فني أضاف إلى بُنية الرواية جمالية أدبية خاصة ومتميّزة، عندما اقتربت أكثر من العمق الإنساني المتمثل بموروثه الشعبي الذي هو خير من يعبّر عن دقائق الحياة وتفاصيل النفس البشرية، وهو عين ما تحتاجه أية رواية أدبية – كما يقول الميالي.
   وفي قراءة لجمعة عبد الله في الجزء الثالث من الرواية (البياض الدامي)(8), يرى أنها تناقش  الاطروحات السياسية والايديولوجية والمواقف السياسية والحزبية , وتعرج على نهج وسلوك عمل الحزب الشيوعي عبر نضاله الطويل, وتكشف عن الاخفاقات والانحسارات في قوة الحزب وضعفه, و إنها طرحت هذه القضايا من صلب الواقع السياسي والاجتماعي ضمن الحبكة الفنية مقتدرة في تقنياتها, وبلغة السرد المرهفة والمتمكنة من أدائها الفني وصياغتها التعبيرية الدالة, كما وظفت في ابداع مشوق اللهجة العراقية  في السرد والحوار في حركته الديناميكية المؤثرة, وانحازت إلى تبني مواقف ونضال الطبقة العاملة في كفاحها الطويل, ودور المرأة البارز في مسيرة النضال.
   بينما يصفها يوسف عبود جويعد في دراسته بأنها تنتمي إلى الواقعية الانتقادية, وأن حبكة السرد تبدأ من حيت انتهت, والذي قرب هذه الرؤية اختياره اللهجة الدارجة كسياق فني لحوار النص, و في الجزء الثاني رواية (كفاح) نشهد انتقالة جديدة, تشكل الحركة الطبيعية لمبنى السرد, حيث الحس التصاعدي السردي, واكتمال الحبكة, وظهور الثيمة, وكذلك نشهد أيضاً انتقال الشخصيات الرئيسية إلى العاصمة (بغداد), وقد غلب على هذا الجزء كما الجزء الثالث طابع التقريرية والمباشرة والتوثيقية, مع الاحتفاظ بمسار السرد الاعتيادي, لضرورات قد نجدها مهمة, كوننا سنكون مع حركة الحزب الشيوعي ونضاله بكامل تفاصيله الدقيقة, بينما نجد حياة مظلوم وعائلته تعتمد النسق الفني الصحيح للعملية السردية المتبعة في فن صناعة الرواية, مختتما دراسته بالقول: " إن رواية محطات بأجزائها الثلاثة, رحلة طويلة لنضال الحزب الشيوعي منذ أربعينيات القرن الماضي, وحكايات صادقة نقلت من الريف والمدينة, ولهجة ريفية صادقة أعطت للنص رؤية جمالية مختلفة , وجهد فني موفق.
   كما تناولت الرواية عدة دراسات أخرى منها مقالة(9) الاستاذ كاظم فرج حول ثلاثية محطات الروائية, الرواية التسجيلية من منظور أخلاقي…(ملاحظات حول ثلاثية حميد الحريزي), والتي يرى خلالها أن الحريزي يعد أول كاتب عراقي يبتكر نمطا كتابيا هجينا يجمع بين أجناس روائية مختلفة هي: (الرواية، والرواية التأريخية.. والرواية التسجيلية), معترفا بأن رابطا بين الأجناس الأدبية المختلفة قد يكون مفيدا وضروريا لاختلاق ضربا مستحدثا وطريفا من الأدب يكون مقبولا لدى جمهرة من المتلقين يرون في ذلك فعلا خلاقا.
   وقد اعتبرها الناقد مؤيد البصام في قراءته(10) من الروايات ذات النفس الملحمي ، تحمل تاريخ نضال شعب ولكن من وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر نضال الحزب الشيوعي العراقي.
   كما أن هنالك دراسات و قراءات أخرى لا يسعنا حصرها في هذا المقال الموجز, اضافة لحفل التوقيع الذي أقامه نادي السرد في اتحاد أدباء النجف.
   أما النـص المــوازي الداخــلي, فقد تعثر كثيرا, وقد تبين لي أن ذلك جاء نتيجة طباعة مسودة الرواية غير المنقحة(11), بدلا من النسخة الختامية التي دأب الكتاب على تقديمها لدار النشر بعد التدقيق و التنقيح و المراجعة, و للحقيقة فلم يكن انطباعي الأول يدفعني للمضي في قراءة رواية من ثلاث أجزاء, لا تكاد تخلو ورقة من خطأ املائي, وبالكاد تجد همزة في مكانها الصحيح, وقد استخدمت علامات الترقيم فيها استخداما سيئا, اضافة لاضمحلال بياض النص في مجمل صفحاتها.
   النص الموازي الداخلي كان سببا في أن أركن الرواية على هامش المكتبة على مدى قرابة العام, إلا أن الحظر المنزلي دفعني بشيء من الفضول أن أقتحم تلك المحطات لأستشف جمالية السرد, والأدوات الفنية التي يمتلك الحريزي ناصيتها بما عهدناه ناقدا و قاصا و روائيا وشاعرا.
   وانطلاقا من الثلاثية, فمن حيث قراءتنا للنص لم نجد سوى رواية واحدة من 600 صفحة, بينما تمت طباعتها في ثلاث كتب, حملت عناوين ثانوية (العربانة – كفاح - البياض الدامي), وقد حملت تلك العناوين اضافة للعنوان الرئيسي (محطات) عتبة نصية موفقة لمجمل أحداث الرواية, تزين غلافها برسومات معبرة حول ذات المضمون للرسام التشكيلي علي عبدالكريم, والتي تحاكي كثيرا وقائع و مجريات السرد.
   لم تحمل الكتب الثلاث أية تقديمات أو اهداءات أو توطئة تمهد للقارئ استقراء طالع النص, فخلقت بذلك فضاء مفتوحا للدخول المباشر لأجواء الرواية, وترك الكاتب الايضاحات إلى نهاية النص في الجزء الثالث بعنوانين, الأول (ملاحظات هامة), و يحمل الاشارة إلى الأسماء الواردة في الرواية, و الثاني (المصادر) التي اعتمد عليها الراوي في رصد الأحداث و الوقائع التاريخية.
    كذلك غابت العناوين الفرعية كليا عن الأجزاء الثلاث اذا ما استثنينا الصفحة (107) إذ ورد عنوان ("كفاح" بين رائحة" الخريط" و رائحة البارود), وهذا خلق ادغاما – مملا أحيانا- في الانتقالات الجزئية في احداثيات الرواية, والتي ينبغي أن تحظى بفسحة واسعة من بياض النص على صفحات الورق تمنح القارئ استراحة بمثابة (التقاط نفس), فجاءت النهايات متصلة بالبدايات, مما يثير الارتباك لدى القارئ.
   و مما يؤخذ على الكتابة بشكل عام غياب التدقيق النحوي و الإملائي, لا سيما الاستعمال السيء للهمزات في أغلب مواضعها, واستبدال همزة الوصل بالقطع, والعكس كذلك, واستعمال همزة المد في أماكن لا ينبغي تواجدها ( لقاءا, مساءا, سواءا, ايفاءا...الخ), اضافة لعلامات الترقيم والتي استعمل العديد منها بطريقة عشوائية, كعلامات الاستفهام و التعجب و التنصيص, التي تتكرر أحيانا بكثرة ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!.
   الأخطاء الإملائية حظرت بشكل لا يغتفر لكثرة ورودها ( لم يعتاد, فاجئه, هوه, للتزج انسان, مثل هذه الأمر, لاكن, ...الخ), ناهيك عن الأخطاء المطبعية, واستخدامات صيغة المذكر للمؤنث, والعكس.
   وقد شهدت طباعة الكتب التي استخدمت فيها أوراقا خشنة الملمس, تشوهات كما في الصفحتين (82,81), و اخلال في تعريش هوامش الكتاب العلوية والسفلية منها, أو الجانبية بكلا الاتجاهين.
   وقد خلق فصل الرواية في ثلاث كتب متفرقة علامات استفهام لدى القارئ عن أرقام وردت بين السطور, لا تنتمي للهامش, اتضح لنا في نهاية الجزء من الكتاب الثالث أنها تعود للمصادر التي اعتمدها الروائي, وكان ينبغي أن تدرج في نهاية كل كتاب على حده, بدلا من ادراج السيرة الشخصية مكررة في كل كتاب.
   أخيرا... فإن ثنائية اللغة (الفصحى/العامية) والتي أجاد الكاتب في توظيفها, بدت لي بأنها استأثرت باللهجة العامية على حساب اللغة الفصحى, فأخذت حيزا كبيرا من السرد كان بالإمكان احتوائه في حيز أقل.
   عموما... الرواية بما حملت من ثيمة, و تعددية للقراءات و الدراسات, ورصد لأحداث تاريخية, كانت بمجملها  رواية من طراز فريد يستوجب أن تحظى بفرصة للطباعة مرة أخرى, بتنسيق و اهتمام يليق بها, وبكاتبها المخضرم الاستاذ/ حميد الحريزي.
عباس عجاج
الناصرية/2020
........................................
(1) مجلة الكترونية تصدر كل شهرين, مدير تحريرها سيد جودة
(2) Genette (G): Palimpseste, p 9.
(3) Genette (G) : Seuils, p 7.
(4) نقلا عن عبد الفتاح الحجمري، عتبات النص: البنية والدلالة (الغلاف الخارجي من الوجهة الداخلية الأمامية).
(5) G. Genette: Seuils, p p 10-11.
(6) دراسة نشرت في جريدة الزمان 2018
(7) من اصدار مطبعة حوض الفرات في النجف الأشرف عام 2020
(8) دراسة نشرت على موقع الناقد العراقي
(9)  ثقافية جريدة الزوراء, الاثنين 25-11-2019
(10)                    قراءة نشرت على أروقة جريدة الصباح الجديد
(11)                    جاء ذلك حسب قول الروائي الحريزي ردا على استفسارنا عن الأخطاء الواردة


أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز