دور الاستهلال في البنية الوظيفية لمجموعة رصاص القلم لعبدالله الميالي قراءة بقلم .. عباس عجاج

دور الاستهلال في البنية الوظيفية لمجموعة رصاص القلم لعبدالله الميالي  قراءة بقلم .. عباس عجاج - وكالة خبر الاعلامية
وكالة خبر - أدب -

دور الاستهلال في البنية الوظيفية لمجموعة رصاص القلم لعبدالله الميالي 
قراءة بقلم .. عباس عجاج 


يعرف بروب " الوظيفية " بأنها فعل شخصية قد حدد من وجهة نظر دلالته في سيرورة الحبكة, بمعنى الفعل الذي تقوم به شخصية معينة , والذي قد يؤثر سلبا أو إيجابا في السياق العام لقصة ما, بكونها علاقة ربط العناصر ببعضها البعض داخل بنية النص , و أثرها في المتلقي. 

و لكون القصة القصيرة جدا لا تمتلك المساحة الشاسعة لاستقطاب و جذب القارئ عبر تنويع الدلالات الفنية التي تستدرج المتلقي, فقد اعتمدت في بنيتها على قدرة الكاتب في ايصال رسالته اعتمادا على نفسية المرسل إليه, من خلال طُعم الجذب, و نقصد به العنوان, كونه أولى علامات لفت النظر, ومن ثم الجملة الاستهلالية التي تنطلق بالقارئ إما للتوقف عن القراءة أو الابحار في خبايا النص. 

مجموعة " رصاص القلم " لعبدالله الميالي اتضحت ثيمتها من اسم المجموعة, حيث من خلال عنوانها يفترض بنا أن نطلع على قصص تخوض في غمار الحرب مع الحكومات الجائرة, وهذا ما تتضح رؤيته من خلال الإهداء: " إلى كل زعيم و حاكم... أهديكم رصاص القلم".. 

و انطلاقا من الإهداء تنفتح أبواب التأويل في كل نص, عن كل دور تمثله الزعامة و الحكومة سواء سياسيا أو اجتماعيا أو حتى دينيا. 

فلنتبحر في تلك الرصاصات التي تستهدف كل قبيح من فساد , و نفاق, و ظلم, و اقصاء, و لنرى كيف استطاع الميالي سبك الاستهلال لجذب القارئ للوقوف على كل معاناة يمثلها النص. 

الرصاصة الأولى التي افتتحت بها المجموعة جاءت بعنوان " قلم " ص 13 : 

( كتب مقالا عن حرّية التعبير, داهمه جُند الحاكم, اعتقلوا خلاياه التي حرضت على الشغب, أطلقوا سراحه, صار يطوف الشوارع يحرّض الناس على الصمت ). 

و هذا النص بمثابة قص الشريط للولوج إلى نصوص المجموعة, فالشخصية الغائبة بالنص تمثل كل أديب أو معارض, أو مواطن يشعر بالحيف و القهر و الكبت, فيلجأ للقلم للتنفيس عن ذلك الكبت.. من أي الأبواب؟ .. من باب حرية التعبير. 

فهل تلك الحرية صادقة المضمون كما تنص عليها الدساتير العربية, والمواثيق الدولية؟ 

ذلك الاستهلال الموجز يجذب القارئ بقوة , فينجح الميالي في استدراجه للاطلاع على ما يحتويه النص من حدث, لمعرفة ما ستؤول إليه نتائج بوح القلم. 

في نص " خشوع " ص 15 يرمي القلم رصاصته التالية في وجه الزيف متمثلا برجل الدين, ليزيح الأقنعة التي يختبئ خلفها البعض فيكشف عن حقيقتهم الزائفة, وهذا ما يأخذنا إليه بالمثل النص " عبادة " ص77. 

في نص " صمود " ص16 اجتمعت العديد من الدلالات والايحاءات التي تقيد القارئ و تستحثه على متابعة القراءة انطلاقا من العنوان , مرورا بالاستهلال, ولوجا بالحبكة , منتهيا بالقفلة الصادمة التي تفرض على القارئ أن يعيد الاستمتاع بقراءة النص مرة أخرى, فأي صمود ينتظر أسيرا بيد محتل, يتلفظ آخر الأنفاس, و يهدد بالانتقام من حيث لا حول له ولا قوة؟ 

إنها مهارة التلاعب بالمفردات التي يستحضرها الكاتب ليقلب الطاولة على ذهن المتلقي عبر ما يتركه من أثر في نفسه, وبصورة لإعادة النص بشكل آخر يستعرض لنا نص " عصامي " ص17 الحدث السابق في نص " صمود " باستعراض مغاير حيث يحل القلم بديلا للأسير. 

اسلوب آخر لجا إليه الميالي في استهلال نصوصه من خلال توظيف اللغة الشعرية , كما في نص " ثورة ص 16, و نص " جزاء " ص23: ( السنبلة التي غازلها المنجل...), أو " جزاء " – أيضا – ص44: ( ارتدى الذئب جلباب القداسة,...), " سرقة ص49: ( خلعت قميص بصري, نشرته على عيني وطني, ...). 

يشير الناقد أمجد نجم الزيدي, في مقاربته النقدية " تمثلات ليليث " حول حركية الخطاب السردي من امكانية استفادة القصة القصيرة , كما الرواية, من أجناس قريبة مثل الشعر و السينما, والفنون التشكيلية, بمحاكاتها بخامة لغوية مغايرة تساعد النص للخروج عن الأطر التقليدية المباشرة, و هذا ما اشتغل عليه عبدالله الميالي في العديد من نصوص المجموعة, من خلال توظيف تلك الدلالات في البنية الوظيفية لبعض النصوص كما ورد في ( رغبة ص14, كومبارس ص20, تقليد ص21, ايمان ص 25, رعب ص27, و مسرحية ص62). 

إن فلسفة نهج الكتابة ما بعد الحداثوية تتميز بالقدرة على المزاوجة بين الوظيفة الانفعالية للغة المتمردة على كل أشكال السلطة, و بين عدم تخطي حدود العقلانية بما لها من روابط عليّه تتحكم بطبيعة الحال, بمديات انفتاح النص – كما يراها الناقد اسامة الشحماني-؛ 

و يرى الناقد الأمريكي يزلي قيدلر, إن من أهم المعايير التي يمكن على أساسها تقييم نص ما يعبر عن اتجاه ما بعد الحداثة هو ماهية و حدود المستوى الذي اشتغل عليه النص لتقديم المعنى , ومدى التصاق النص بالمنظور الشعبي. 

واحتواء للرؤيتين فقد اشتغل الميالي على تداخل الأجناس الأدبية و خصوصا في الموروث الشعبي من خلال بعض النصوص التي وردت في المجموعة, وكان للاستهلال الأثر الواضح منها ( أحلام ص18, فارس ص19, استعجال ص24, استحمار ص56, مسرحية ص62, بالمقلوب ص69), و هذا الاستهلال غير مستحب في القصة القصيرة جدا لكونه يميل للحكاية اكثر منه للقصة, إلا أن العمل على مشغل ما بعد الحداثة يتيح تلك المساحة للعبور منها لكسر القاعدة, وهذا حق مشروع للكاتب كونه اسلوب تعبيري. 

صياغة الحوار الدرامي كانت احدى الوسائل الحاضرة في أنماط الاستهلال في قصص الميالي, إلا أن حضورها كان قاصرا على قصتين فقط هما ( زلة لسان ص30 و ص31 واقع ). 

و جاءت أهمية الحوار بهما من حيث وجود الطرف الثالث وهو القارئ المتذوق أو النخبوي الذي يشرع بتأويل النص, وتفكيكه؛ 

ونطرح هنا " زلة لسان" 

المحقق: كيف تجرأت أيها الوغد و تحدثت عن سقوط النظام؟ 

المعلم: قطع الله لساني سيدي, كنت أحدث التلاميذ عن صعود البخار, و سقوط المطر. 

162 قصة قصيرة جدا , احتوتها المجموعة, تحققت خلال أغلبها شروط ال ق ق ج, و أضافت للمكتبة العربية رصيدا نوعيا, تنوعت خلالها الأساليب خلف ثيمة موحدة أجاد خلالها الكاتب لدرجة كبيرة توظيف عدة دلالات تجذب القارئ و الناقد على حد سواء. 

مجموعة تستحق ان يتناولها النقاد من عدة جوانب, نتمنى لكاتبها التوفيق, ونهنئه على هذا المنجز. 

.......... 

بقلم.. عباس عجاج 

ذي قار 14-7-2018 

............................................................... 

المصادر: 

- بنية الحكاية في البخلاء للجاحظ – عدي عدنان محمد – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2013. 

- اسلوبية القصة,دراسة في القصة القصيرة العراقية- د. احمد حسين الجارالله - دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2013. 

- الكتابة في مشغل مابعد الحداثة – اسامة الشحماني - دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2013. 

- رصاص القلم – عبدالله الميالي – مجموعة قصص قصيرة جدا – دار أمل الجديدة – سوريا – اصدارات الرابطة العربية للآداب و الثقافة. 

- تمثلات ليليث , مقاربات نقدية في الشعر والسرد – امجد نجم الزيدي – دار الروسم للنشر – بغداد 2015.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز