قراءة في " طائرة ورقية" للقاص / حسام الساحلي - سوريا

قراءة في " طائرة ورقية" للقاص / حسام الساحلي - سوريا - وكالة خبر الاعلامية

وكالة خبر - أدب -


الناقد/ الدكتور أنس ياسين (دكتوراه في البلاغة العربية) 

القاص / حسام الساحلي - سوريا

( طائرة ورقية) الحائزة على جائزة كاليماخوس السّنوية الدوليّة:

==========================

طائرة ورقيّة
((رسمَ عليها أحلامَهُ، ألصقَ عليها صورَ رفاقهِ، عقدها بخيطٍ وَ أطلقها؛ فحلّقت جذلى تتمايلُ مع الرّيح ِ كفراشةٍ، تزهرُ ضحكتها من فرطِ السّلامِ. مرّت طائراتُ الحربِ، قطعت الخيط َ؛ فخرّت الطّائرة ُ هزيلة ً ممزّقة ًتحتَ أقدام ِ الجنودِ الصّهاينةِِ... طارَ الطّفلُ مكانها إلى السّماءِ.))


إنّها((طائرة ورقيّة)) ،واستخدام هذا التركيب الوصفي الخبري جاء موفّقاً:فلفظة (طائرة ) جاءت نكرة ، وكذلك (ورقيّة) جاءت نكرة ،الأمر الذي يشي بالحالة المنكرة التي جسدها زمن الحرب ،فبداية لدى سماعنا كلمة طائرة نستشعر نوعاً من الحريّة والطيران والارتقاء، لكن لفظة(ورقيّة) تأتي لتحدّ من هذا الرقي النفسيّ من السّعادة إلى ضعف وحالة من الهشاشة التي يعيشها الطفل في تصارع العالم على رعاع الحياة و حطامها .
إنّ الورق هنا يتمشّى مع طفولته، وبساطة أحلامه، التي سيفقدها عمّا قريب ،عندما تهبط هذه الطائرة الورقيّة بعد أن تقطع الطائرات الحربية المعدنية الثّقيلة خيوط أحلامها،لتعود أوراقاً ممزّقة ملتحمة مع جسد طفلها الذي رسم عليها أحلامه ورفاقه، وتصعد روح هذا الطفل الرمز لتعانق السماء ،هذا الطفل الذي نذر نفسه لأرض الوطن وسمائه فالأرض احتضنت جسده مع بقايا الطّائرة الورقيّة ،والسماء عانقت روحه القوية المتينة كطائرات الحرب بل أشد.
لقد جعل الكاتب هذه الطائرة الورقيّة((حاملة الأحلام)) لكلّ طفل،وصورة كل طفل التهمته رحى الحرب ظلماً كقمح يعد بحياة أفضل..إنّه عالم الطفولة القصير الذي راح يعتلي طبقات السّماء جذلان فرحاً كفراشة ربيعيّة تنتشي طرباً بألوان السّلام ..ولكنّ طائرات الحرب نثرت شباك نيرانها في كلّ مكان واصطادت أصداء الطفولة المترددة بين جدران السّماء الوهميّة،ولكنّ هذا الطّفل بطائرته الورقيّة (الجبّارة)التي تخطّت حدود الضعف والخنوع كان قناعاً درامياً اختفى وراءه الكاتب إذ نطق بلسان حاله منذراً بصخب صامت يحكي قصص الظلم الواقع على الطفل والطفولة في العالم .
إنّ التكثيف الدلالي الذي أبدع الكاتب في استخدامه من خلال الجمل القصيرة الخبرية ،وسطوة الأفعال الماضية في هذه العبارات الإبداعية، فتح الآفاق أمام إيحاءات واسعة الآفاق لا متناهية، ورسم لنا خطّاً زمنيّاً انفعالياً عبر من الماضي نحو الحاضر انطلاقاً إلى المستقبل الذي سيفضح العالم .
لم تقم الحرب وزناً لضعف الطفل ،ولم تعترف بحق الطفل في أن يعيش حرّاً سعيداً ،فالطفل بطائرته الورقيّة هو معادل موضوعي للسلام الطفولي الإنساني الذي حطمته أقدام الجنود، فترفّع هذا الطفل عن الأرض الملوّثة بدم هابيل بجسده اللطيف الحالم ،وانطلق بروحه يبحث عن سعادته في عالم السماء ،إنها السعادة التي تحتكرها آلة الحرب لأغراضها الضيقة ،متناسية أن العالم بأسره وسعته يضيق عن بسمة طفل بريئة ...
ويستطيع في النهاية كل من امتلك ضميراً أن يرى هذا الطفل يحلّق سعيداً في السّماء .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز